حرية برسم الجوع، بقلم م. محمد يوسف حسنة

حرية برسم الجوع، بقلم م. محمد يوسف حسنة

 

 

ثمانٍ وعشرون يوماً متواصلاً سطّر خلالها أسرى الحرية فصلاً من فصول معركة الحرية ضد الغطرسة والعنجهية الصهيونية، معركة بدأها أبطال الحكم الإداري بلال ذياب وثائر حلاحلة الذي جاوز إضرابهما حاجز الـ 78 يوماً ليُسجلوا أطول اضراب عن الطعام على مستوى العالم، معركة رفعت شعار “سنحيا كراماً” وصار فيها الجوع رسم الحرية المنشودة.

كانوا يُقارعون المحتل وصلفه بسلاح الأمعاء الخاوية يُعلمون العالم أن لا معنى للحياة إن كان الذل والهوان عنوانها، فباتوا عنوان الأحرار في العالم ومدرسته التي تُعلم العزة والكرامة شعارهم “سنحيا كراماً”.

معركة لابد من تدريسها في كُتب التاريخ، وتسليح المناضلين بها، فالعزة التي سطرها الأسرى رغم أنّات وعذابات الجوع أثمرت نصراً للأسرى بل للإنسانية، وطوى انتصارها صفحة سوداء من العزل الانفرادي وحرمان الزيارة وأعادت الأمل للأسرى برؤية أمهاتهم وآبائهم وزوجاتهم وأطفالهم، ولكم أن تتخيلوا فرحة حسن سلامة وغيره من أبطال العزل الانفرادي وهم يُقابلون رفاق السلاح وعيونهم تُعانق أهاليهم بعد طول غياب، هو نصر أعاد لهم بصيص الأمل وثقة المقاتل وعنفوان المجاهد، هو نصر أعاد لهم انسانيتهم التي حاول الاحتلال طمسها.

معركة يجب الوقوف عندها ملياً ودراسة ما أحاط بها ورافقها من أنشطة وتفاعل، فقد جمعت قضية الأسرى شتات الفرقاء، ووحدت العالم رغم اختلاف اللغات وابتعاد المسافات.

 

لقد أثبتت معركة الأسرى أن ما يجمع هذا الشعب أكثر مما يفرقه، وإن كان ألم التعاطف مع الأسرى جمع الفرقاء في خيمة اعتصام واحدة، فإن فرحة الانتصار وهدف المعركة الكبرى قادر أن يوحد الشعب في جبهة واحدة لتحقيق مطالبه المشروعة في دولة فلسطينية حرة ومستقلة وعاصمتها القدس.

 

وأثبتت معركة الأسرى أن فلسطين وقضيتها تخطت البعد المحلي والإقليمي وأخذت البعد الدولي، وتضامن مع فلسطين وقضية أسراه من لم تجمعه معهم أرض ولا سماء ولا لغة، أثبتت معركة الأسرى أن الانسانية مظلة تجمع الكل، نستطيع التفاعل من خلالها، فمدريد غصت شوارعها بالمتظاهرين نُصرة للأسرى وفرنسا تزنرت فتياتها وشوارعها بالأعلام الفلسطينية، وماليزيا ومصر وتركيا وسويسرا رددت الحرية لفلسطين الحرية لأسرى الحرية، فكانت لوحة فنية انسانية مدهشة تُعبر عن أسمى وأرقى صور التضامن الإنساني الدولي.     

 

وأثبتت معركة الأسرى أن المقاومة الشعبية كما المسلحة لها دورها وهى مجدية وأن المقاومة الشعبية تستطيع تكوين رأي عام عالمي ضاغط مؤثر، وأن لا فعل محتقر فكل فعل مقدر وقادر على أن يُحدث فرق، ونستطيع أن نزاوج بين العمل العسكري والعمل السلمي كل حسب مقامه ومقاله ودون أن نغفل جانب على حساب الآخر.

أثبتت معركة الأسرى أن شباب فلسطين حي متفاعل مع قضاياه الوطنية وأنه أهل للقيادة وقادر على حمل الرسالة والريادة، فقد تفاعل بشكل ملحوظ مع قضية الأسرى فذاك جند كاميراته وذاك خصص وقته وغيره استفاد من شبكة التواصل الاجتماعي والآخر تحرك في الميدان كل تفاعل وفعل في انسجام غير طبيعي وغير مسبوق نُصرة لقضية وطنية هى الأنبل والأسمى ولا خلاف عليها وعلّ أبرز ما حققه الشباب في هذه المعركة أنه حطم الخط الأحمر المتعلق بعدم التعرض لبعض الهيئات والمؤسسات الدولية التي ظنت أنها تستطيع أن تبقى صامتة وتظل بمنئى عن الغضب والتحرك، نعم لقد حطم الشباب نظرية أن المؤسسات والهيئات الدولية لا تُمس في ظل استمرار التخاذل والصمت من قبلها، وخرج الشباب يقول كلمته إن لم ننتفع بأفعال تُساند وتؤازر قضايانا فلا أقل أن ننتفع من المباني بعد خروج المؤسسات منها، ولا أقل من أن يلتزموا بتنفيذ تعهداتهم ويطالبوا المحتل بتطبيق اتفاقات أقروها وأوجدوا لأجل متابعة تنفيذها.

 

 

وأثبتت المعركة أن المرأة الفلسطينية حاضرة وبقوة وأنها لم ولن تدخر جهد في سبيل نُصرة القضايا الفلسطينية الوطنية وعلى رأسها قضية الأسرى وتحسين ظروف معيشتهم واطلاق سراحهم، وكم كان رائعاً حين صدحت نساء فلسطين في خيمة الاعتصام بزغاريد الانتصار ونشر التهاني والتبريكات، في لوحة عكست أًصالة وقوة وحضور المرأة الفلسطينية.

 

وأثبتت المعركة أن رفاق الدرب لم ولن يتخلوا عن رفاق دربهم فتقدم الأسرى المحررين صفوف المضربين عن الطعام في خيم الاعتصام، يرفعون الصوت ويكسرون حاجز الصمت، ليتضامنوا بل ويلتحموا بجوعهم وأمعائهم الخاوية مع أسرى الحرية في سجون الاحتلالن وجاب فريق منهم البلدان المجاورة طلباً لحرية رفاقهم ومناشدة لظروف حياتهم.

 

انتصر الأسرى في معركة الأمعاء الخاوية عين ترقب ترجمة انتصارهم على أرض الواقع، وعين ترقب فعل رفاق دربهم في الأجنحة المسلحة للفصائل الفلسطينية، فهم في شوق لسماع خبر اختطاف مزيد من الجنود الصهاينة لمبادلتهم بأسرى الحرية في سجون الاحتلال، بل أن الشعب الفلسطيني ينتظر بزوغ فجر يوم تُعلن فيه المقاومة من تمكنها من أسر مزيد من الصهاينة أملاً في تبيض السجون واخراج رفاق درب الحرية.

 

هو انتصار الأحرار في زمن العبيد، هى فرحة وإن لم ولن تكتمل إلا بتكحيل العيون بتبيض السجون، هو انتصار الكف على المخرز فهنيئاً لأسرانا انتصارهم وهنيئاً لفلسطين بأبنائها وهنيئاً للإنسانية بتطبيق التضامن الإنساني الدولي واقعاً مشاهداً لا كلمات مبعثرة، هنيئاً لنا انتصار الكرامة. 


Comments

Leave a comment