مشاهدات مصرية – الرئيس.

مشاهدات مصرية

الرئيس

 

نجحت مصر وشعبها بدماء خيرة أبنائها من الانتفاض على الظلم والطغيان وتحقيق حلم الأجيال، وأزالت عبد ظنّ أنه الرحمن، وتحقق التغيير بإسقاط رؤوس النظام وبدأت المرحلة الأصعب تنظيم الصفوف ورؤية المرحلة القادمة، بتدقيقٍ لبيانات الدولة ومراجعة مواردها واقتصادها، وحلفائها، قوتها ضعفها فرصها وتهديداتها، مرحلة يمر فيها الوقت عصيب على المصريين فمن فلول النظام المُحدثة للاضطراب، للمستعجلين قطف الثمار، للعامة المتعطشين رؤية نتائج عملية التغيير، لأصحاب نظرية المؤامرة المهوسين بالخوف من كل ما هو جديد، وأقلام لا ترحم أي إخفاق وتستعجل الإنجاز مع أن معالجة حقبة سوداء طويلة كالحقبة السابقة يستلزم سنين ولن يُحل بعام بعد الثورة أو أشهُر على اختيار مجلس الشعب والشورى.

كان التغيير، وبدأت معركة ما بعد التغيير بما يصاحبها من فوضى، وإخفاقات، وهى بمثابة الولادة الحقيقة لمصر الثورة، وهى اختبار لمدى قوة وتماسك هذا الشعب وقدرته على خط مستقبله وإعادة الاعتبار لدور مصر الريادي.

ولعلّ السؤال الأبرز المطروح على الساحة المصرية من هو الرئيس القادم؟، هل هو إسلامي متطرّف، أم معتدل أم أداة في يد المجلس العسكري، أم رئيس توافقي بين العسكر والأخوان بصفة الأخيرة قد حصدت مقاعد جزء كبير من البرلمان، كيف سيتعامل مع الغرب وكيف سيتم مقابلته في البيت الأبيض وكيف سيتصرف مع الدعم الخارجي لمصر.

أسئلة يختزلها السائق المصري وعوام الشعب المصري، أنهم يُريدون رئيساً محترماً، لا يسرق، يجدونه بينهم يتحسس آلامهم ويحقق آمالهم، يُساعدهم في حل الفقر والبطالة، ويُعيد إحياء الإنسان في نفوسهم.

رئيس يُشعرهم بقوة الفاروق عمر وعدله، رئيس ينتشلهم من الظروف الإنسانية الصعبة التي تحياها دولة فيها من الخيرات والموارد الكثير، رئيس ينشر بينهم العدالة الاجتماعية وسيادة القانون.

رئيس يضع رؤيا واضحة إلى أين المسير، يُشارك فيها الشعب، ويُنزلهم منازلهم، يضرب باسمهم ويضرب لأجلهم، حر، مثقف، مبتدع لا تابع.

والمثير أن المصريين كما باقي الشعوب ورغم اهتمامها باحتياجاتها الأساسية وتطلعها للحياة الكريمة، إلا أن نُصرة فلسطين حاضرة بقوة في الصفات المطلوب توافرها لديهم في الرئيس القادم، عين ترقب الداخل ووضعه وضرورة تحقيق نهضة مصرية، وعين ترقب فلسطين وحل أزماتها المتكررة.

أي حمل ثقيل ذلك الذي ينتظر الرئيس القادم، فرغم العدد المُعلن لمرشحي رئاسة الدولة إلاّ أن النُخب ومن يستشعر عظم المسؤولية يتأني في الدخول لمعركة الرئاسة أو اعتذر عنها، وتصدر بعض النخب الأخرى لمعركة الرئاسة وبدأ مبكراً عملية تحشيد الأصوات وجمع التواقيع وحشد الأنصار.

ولا يكاد موطئ قدم في مصر يخلو من الحديث عن الرئيس القادم، ولحديث العامة طُرفة مميزة غير التي تعتري من لا يجدون وقتاً من ازدحام أجندة لقاءاتهم لتحديد الخطوات القادمة.

أعجب ما سمعت اقتراح من المواطنين برئيس موحّد للسودان ومصر لمدة أربع سنوات، ولا بأس أن يتنازل المصريون للبشير في المرحلة الأولى ومن ثم يأخذ رئيس مصري الرئاسة، طبعاً بنكهة الحديث المصري وروح الدعابة المصرية.

وآخر يتحدث أن أحد مرشحي الرئاسة لا يصلح بسبب لحيته وتدينه، فهو يصلح خطيب مسجد أو إمام ولكنه لا يصلح لرئاسة مصر، وهو مما لا شك فيه ترويج من قِبل فلول النظام أو بعض التيارات التي تعتقد أن السياسة حكر عليها وأن الإسلاميين لا يصلحون للتصدّر والحكم، مع أن صناديق الاقتراع أتت بأغلبية إسلامية في مجلس الشعب والشورى وهو ما يعكس حجم التأييد لهم في البلاد.

وغالباً مايتم وضع العربة أمام الحصان، وهى كيف لرجل بلحية سيدخل البيت الأبيض؟ وكيف له أن يُجالس أوباما أو يتحدث مع الإتحاد الأوروبي، وكيف لا يصافح هلاري كلينتون، وكأن ممارسة السياسة متوقفة على هذه البروتوكولات، والتي غالباً هي حاجز نفسي لدينا لا لدى الغرب أو أمريكا.

ثم أن على العالم احترام إرادة مصر وشعبها، ومن تختاره مصر على العالم أن يتعامل معه، فقوة ومركز مصر معلم، ودورها الرئيس في المنطقة ليس بالهين.

مصر تتعطش لرئيس قادم ينقلها من حالة الركود التي هي فيها لمرحلة قيادة الأمة وإعادة دورها الإقليمي والدولي، وتتصدر مسؤولياتها الخارجية، وتحقق طموحات شعبها فيما يتعلق بالتعامل مع القضية الفلسطينية كونها القضية التي تشغل بال العالم الإسلامي.

مصر تنتظرُ رئيساً يبدأ باختيار أُناس يحملون التميّز وساماً على صدورهم ويُعتبرون رواداً في مجالاتهم، يُشكِّل منهم وبهم فريقه الذي سيخوض به عباب عملية النهوض وتحقيق الاستقرار بمصر، رئيس يتحضر لمواجهة العقبات والتحديات ويتسلح بالشعب وإيمان الشعب به، يقوم بدراسة الواقع من جديد ويُعيد بناء المنظومة المعلوماتية الحقيقة عن مصر ومواردها، رئيس أبوابه مشرعة للجمهور واستقبال الأراء، يتجول بين العامة وفي الأسواق دون الحراسات المدججة ودون السيارات الفارهة التي غالباً ما تحول دون التواصل مع الشعب، رئيس مهما انشغل بالسياسة ومتطلباتها، والرئاسة واستحقاقاتها، يبقى على تواصل مع الشعب الذي رفعه وأوصله سُدة الحكم، رئيس لا يقوم بإغلاق الشوارع لتسهيل مرور موكبه، ولا يشوش شبكة الاتصالات خوفاً من عبوة مزروعة يتم التحكم بها عن بعد، رئيس يأمنه شعبه ويأمن شعبه.

مصر تنتظرُ رئيساً لا يهتم بالمؤامرات ومن يُحيكها، ولا رغبات الدول الخارجية فعينه على الشعب ومتطلبات وآمال وطموح الشعب، يُوطن قوة مصر ومواردها في تحقيق رغبات شعبها، حائط صد وحصن منيع عصي على الاختراق مهما عظُمت التحديات والإغراءات.

رئيس يعلم أنه في موطن تكليف لا تشريف، وأن الأمانة على عاتقه كبيرة، إن أحسن العمل صعد وإن أخفق اعتزل.

قد تكون مشاهدتي الخاصة بالرئاسة المصرية تُعبر عما يجول في صدور المصريين، إلا أنها وبلا شك تُعبر عن رغبة شديدة لدينا كفلسطينين برئيس يُغير ويُحدث اصلاح، وينتشلنا كفلسطينين من مرحلة التيه الذي بتنا فيه، وتعطلت معه معظم آمالنا وأحلامنا.

تمنياتي لمصر برئيس قادم يحفظها ويُعلي شأنها ويُعيد الاعتبار لدورها، وتمنياتي لفلسطين بقيادة تبدأ بنفسها التغيير وتتبعه الإصلاح، وتُترجم على الواقع طموحات أهلنا وتكون على قدر تضحيات أبنائها.


Comments

Leave a comment